كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول
((لو تدبَّر الناسُ هذه السورة لَكَفَتْهُم ))
العبرة ليست في إنفاق الوقت ، بل في استثماره ، فالوقت إذا أنفقناه ضاع ، أما إذا استثمرناه ، فسينمو ، ويؤتي ثماره في مستقبل حياتنا ، وللأجيال القادمة .
إذن كيف ينفق المسلم الزمن إنفاقاً استثماريا ؟ لئلاّ تُحقَّق به الخسارة ، إنَّ هذاما يسمى في المصطلح الحديث (إدارة الوقت)
نستنتج أن الوقت عند المسلم أغلى من المال ، ذلك أن المسلمَ يدرك أن المالَ يمكن تعويضُه،
[img]
http://www.albetaqa.com/cards/data/media/110/tawbaa0010.jpg[/img]الإنسان حينما يحرق مبلغاً كبيراً من المال يُحكَم عليه بالسَّفَهِ ، ويُحْجَر على تصرفاته ، ولأنه مركَّب في أعماق الإنسان أنّ الوقت أثمنُ من المال ، بدليل أنه يبيع بيتَه الذي يسكنه ولا يملك شيًا سواه ليُجريّ بثمنه عملية جراحية ، متوهماً أنها تزيد في حياته سنوات عدة ، فالوقت عند كل إنسان أثمن من المال ، وبناءً على هذه المُسَلَّمَة فإنّ الذي يتلف وقته أشدُّ
[img]
http://www.moveed.com/data/media/7/almal.jpg[/img]إدارة الوقت هي فعلُ ما ينبغي ، على الوجه الذي ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، الوقت من ذهب، بل أغلى من الذهب ، بل هو لا يُقدَّر بثمن ، إنه أنت ، ويعد الوقتُ أحد أربعة موارد أساسية في مجال الأعمال ؛ المواد ، والمعلومات ، والأفراد ، ثم الوقت الذي يُعدّ أكثرها أهمية ، لأنه كلما تحكّم الفرد في وقته بمهارة وإيجابية استطاع أن يستثمره في تحقيق أقصى عائد ممكن من الموارد الأخرى ؛ إذ أنّ الفرد عندما يدير وقته بشكل فعّال ، هو في الحقيقة يدير نفسه ، وعبادته ، وعمله ، ودنياه إدارة فعّالة .
كي نكون واقعيّين ، إنْ لم يكن بالإمكان استثمار كل الوقت ... فعلى الأقل يمكن أنْ نستثمر أكبرَ قدر من
الوقت .
وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبيرة للوقت ، فإنّ أكثر العناصر والموارد هدراً ، وإنّ أقلها استثماراً ، سواء من الجماعات ، أو من الأفراد ، هو الوقت ، ويعود هذا لأسباب عدّة ، أهمّها عدم الإدراك الكافي للخسارة الكبيرة المترتبة على سوء إدارته .
الوقت مورد نادر ، لا يمكن تجميعه ، ولأنّه سريع الانقضاء ، وما مضى منه لا يرجع ، ولا يعوَّض بشيء ، كان الوقتُ أنفسَ وأثمنَ ما يملك الإنسان ، وترجع نفاسته إلى أنه وعاءٌ لكل علم ، ولكل عمل ، ولكل عبادة ، فهو في الواقع رأسُ المال الحقيقي للإنسان ، فرداً ومجتمعاً.
[img]
http://www.albetaqa.com/cards/data/media/4/qodsy0055.jpg[/img]ومن هذا المنطلق يعدُّ الوقت أساس الحياة ، وعليه تقوم الحضارة ، فصحيح أن الوقت لا يمكن شراؤه ، ولا بيعه ، ولا تأجيره ، ولا استعارته ، ولا مضاعفته ، ولا توفيره ، ولا تصنيعه ، ولكن يمكن استثماره وتوظيفُه ، أولئك الذين لديهم الوقت لإنجاز أعمالهم ، ولديهم أيضاً الوقت لمعرفة ربهم ، وعبادته ، والتقرّب إليه ، عرفوا قيمته ، هم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم ، ولذا فإدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره ، أو تعديله ، أو تطويره ، بل إلى طريقة استثماره بشكل فعّال ، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدراً من
دون فائدة
[img]
http://www.albetaqa.com/cards/data/media/4/qodsy0056.jpg[/img]يؤكد بعض العلماء منذ زمن قديم أنّ الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة ، فكل ثانية أو دقيقة ، وكلُّ ساعة تشبه الأخرى ، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع ، وأنه يتحرك نظام معين محكم ، لا يمكن إيقافه ، أو تغييره ، أو زيادته ، أو إعادة تنظيمه ، وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام ، دون أي تأخير أو تقديم ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله ، إنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي ، فعلى الرغم أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية ، فإنهم جميعا يملكون الأربع والعشرين ساعة نفسها كل يوم ، والاثنين والخمسين أسبوعاً كل عام ، وهكذا فإن جميع الناس متساوون في ناحية المدة الزمنية ، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم ، من أغنياء القوم أم من فقرائهم ، لذلك فالمشكلة ليست في مقدار الوقت المتوفر لكلٍّ مِن هؤلاء ، ولكن في كيفية إدارة الوقت المتوفر لديهم واستخدامه
و هل يستخدمونه بشكل جيد ومفيد في إنجاز الأعمال المطلوبة منهم ، أو يهدرونه ، و يضيعونه في أمور قليلة الفائدة .
إدارةُ الوقت هي تحديدُ هدف ، ثم تحقيقُه ، قال تعالى :
سورة الملك)
ولا شك أن من يمشي إلى هدف وغاية واضحة أهدى ممن يخبط خبط عشواء ، هذه حقيقة .
أيها الإخوة الكرام ، الوقت نعمة عظيمة ، تؤكد السنة المطهرة ما جاء في القرآن الكريم من أن الوقت من نعم الله على عباده ، وأنهم مأمورون بحفظه ، مسؤولون عنه ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ
[img]
http://www.albetaqa.com/cards/data/media/4/qodsy0013.jpg[/img]الوقت وعاء العبادة ، فالصلاة والزكاة والصيام والحج ونحوها عبادات محددة بأوقات معينة ، لا يصح تأخيرها عنها ، و بعضها لا يُقبل إذا أدي في غير وقته ، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوقت ، الذي هو عبارة عن الظرف أو الوعاء الذي تؤدى فيه .
ومما ورد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحثِّ على أداء العبادات في وقتها قوله حين سئل :
(( أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ )) .
[img]
http://www.albetaqa.com/cards/data/media/4/qodsy0012.jpg[/img]الوقت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام ، كان عليه الصلاة والسلام من أشد الناس حرصاً على وقته ، وكان لا يمضي له وقت مِن غير عمل لله تعالى ، أو فيما لا بد له لصلاح نفسه ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف حال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كان إذا أَوَى إلى مَنْزله جَزَّأ دُخولَه ثلاثة أجزاء : جُزءا للّه ، وجُزءا لأهلْه ، وجُزءا لنَفْسه ، ثم جَزَّأ جُزْءَه بَيْنَهُ وبين الناس ، فَيردُّ ذلك على العامَّة بالخاصَّة )).
(رواه الطبراني في المعجم الكبير)
[img]
http://www.moveed.com/data/media/7/Image01.jpg[/img]آفة أخرى ، تصيب الناسَ ، التسويف ، غدًا ، وبعد غدٍ ، وسوف أتوب ، بعد انتهاء العام الدراسي ، و بعد تأسيسي المحل ، وبعد الزواج ، آفة أخرى هي التسويف ، قال الحسن البصري رحمه الله :
(( إياك والتسويف ، فإنك بيومك ، ولست بغدك ، فإن يكن غدٌ لك ، فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد ، فلن تندم على ما فرطت في اليوم ))
[img]
http://static.tagged.com/images/user3/24/85/15/2485152955-60093724.gif[/img]