ياجوج وماجوج
يأجوج ومأجوج: اسمان أعجميان، وقيل: عربيان، وعلى هذا يكون اشتقاقهما من أجت النار أجيجا إذا التهبت. وأصل يأجوج ومأجوج من البشر من ذرية ادم وحواء عليهما السلام.
ويأجوج ومأجوج من ذرية يافث أبي الترك، ويافث من ولد نوح عليه السلام، والذي يدل على أنهم من ذرية آدم عليه السلام ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير بين يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قالوا: وأينا ذلك الواحد؟ قال: أبشروا؟ فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف ".
صفتهم: أما صفتهم التي جاءت بها الأحاديث فهي: يشبهون أبناء جنسهم من الترك الغتم المغول، صغار العيون، دلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة، على أشكال الترك وألوا نهم.
وقد وردت روايات ضعيفة في صفاتهم لا داعي لذكرها. والذي تدل عليه الروايات الصحيحة أنهم رجال أقوياء لا طاقة لأحد بقتالهم. ففي حديث النواس بن سمعان أن الله تعالى يوحي إلى عيسى عليه السلام بخروج يأجوج ومأجوج، وأنه لا يدان لأحد بقتالهم، ويأمر بإبعاد المؤمنين من طريقهم فيقول له (حرز عبادي إلى الطور).
وقد دلت الأدلة من القرآن على خروجهم في آخر الزمان، فمن الأدلة من القرآن قوله تعالى: ((حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين )) الأنبياء96 - 97.
وقد دلت الأدلة من السنة منها ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد- اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها- قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ".
ومنها ما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه "إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمرآخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحضر نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله "رواه مسلم.
وزاد في الرواية بعد قوله: "لقد كان بهذه مرة ماء": ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما " رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه: " ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويفر الناس منهم، فيرمون بسهامهم في السماء فترجع مخضبة بالدماء. فيقولون: قهرنا أهل الأرض وكلبنا من في السماء قوة وعلوا. قال: فيبعث الله عز وجل عليهم نغفا في أقفائهم. قال: فيهلكهم. والذي نفسي بيده، إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم " أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. ورواه الحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد بنى ذو القرنين سد يأجوج ومأجوج ليحجر بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم كما ورد في سورة الكهف آية:94.
والذي يدل على أن هذا السد موجود لم يندك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في السد قال: "يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا. قال: فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غدا إن شاء الله واستثنى. قال: فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويفر الناس منهم " رواه الترمذي وابن ماجه و ا لحاكم
.
الخسوفات الثلاثة
دلت على ذلك الأحاديث من السنة منها:
عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا عشر آيات... فذكر منها: ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب " رواه مسلم.
إن من أعظم ما يميز آخر الزمان ، زمن اقتراب الساعة ، ودنو أمرها ، ظهور الأحداث العظام ، المؤذنة باختلال العالم ، وانفراط نظامه ، ومن تلك الأحداث الخسوفات الثلاثة التي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون بين يدي الساعة فقد روى مسلم في " صحيحه " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الساعة لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ) .
وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن هذه الخسوفات الثلاثة تكون عقوبة ربانية على ظهور المعاصي وانتشارها كما جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يكون في آخر هذه الآمة خسف ومسخ وقذف ، قالت قلت يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا ظهر الخبث ) رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني .
وقد جعل الله عز وجل هذه الآية مقدمة بين يدي الساعة حتى يعود الناس إلى رشدهم ، ويعلموا أنهم إن أصروا على ما هم عليه من المعاصي والذنوب فإن ما أعده الله للعاصين يوم القيامة لا طاقة لأحد به .
هذا عن سبب هذا العقوبة الربانية ، أما مكان وقوعها فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أماكن يصيبها عذاب الله بالخسف ، المكان الأول جزيرة العرب ، وليس بالضرورة أن يشمل جميع أرجائها بل ربما أتى على بعض قبائلها ، كما جاء في " المسند " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل فيقال من بقي من بني فلان ) .
والمكان الثاني جهة المشرق والمراد به مشرق المدينة ، ولا شك أن المقصود موضع بالمشرق وليس جميع أرجائه .
والمكان الثالث جهة المغرب والمراد به مغرب المدينة النبوية ، والمقصود منه ليس عموم المغرب وإنما موضع منه والله أعلم .
والذي ينبغي أن يحوز اهتمام المسلم في ذلك ليس مكان العقوبة وإنما سببها ، فإن من تلبس بسبب هذه العقوبة استحقها . نسأل الله السلامة والعافية .
هذه هي إحدى علامات الساعة وأمارات قربها وهي تصور العقوبة الربانية التي تحل بالأمة عندما تنحل من أخلاقها ، ويغلب عليها الشر والفساد . نسأل الله عز وجل أن يعصمنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن . إنه على كل شيء قدير
الدخان والريح
قال الله تعالى: } فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم {(الدخان) قال ابن كثير في تفسيره: عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنّ ربّكم أنذركم ثلاثًا؛ الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينفخ حتى يخرج من كلّ مسمعٍ منه، والثانية الدابة والثالثة الدجال} ورواه الطبراني عن هاشم بن مرثد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به وهذا إسناد جيد. . . إلى أن قال: مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أنَّ الدخان من الآيات المنتظرة مع أنَّه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى: } فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مبين { أي بيِّن واضح يراه كلّ أحد، وعلى ما فسّر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه (يعني قريش) في أعينهم من شدّة الجوع والجهد وهكذا قوله تعالى: يغشى الناس؛ أي يتغشَّاهم ويعميهم، ولو كان أمرًا خيالياًّ يخصّ أهل مكَّة المشركين لَما قيل فيه يغشى الناس.
وهو بذلك يردّ على من قال إنّ المقصود بالدخان ما حدث لقريش حين أصابهم الجوع الشديد.
وقد تقدّم الحديث {إنَّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات...} وذكر منها الدخان، راجع الحديث في (الفتنة الرابعة).
ثمَّ يبعث الله الريح؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرَّةٍ من إيمان إلاَّ قبضته}(صحيح مسلم) فلا يبقى إلاّ كافر، وعليهم تقوم الساعة، وهذه الريح هي خاتمة أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم
.
النهاية وبداية جديدة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تُبعَث نارٌ تسوق الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها كما يُساق الجمل الكسير، لها ما يتخلف منهم، إذا قالوا قالت وإذا باتوا باتت}(قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم) ثم يكون النفخ في الصور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما بين النفختين أربعون، ثمّ يُنزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة}(متفق عليه).
} بَلِ الله فاعبد وكن من الشاكرين، وما قدَروا الله حقَّ قَدْرِه والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويَّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمَّا يشركون، ونُفِخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثمَّ نُفِخ فيه أخرَى فإذا هم قيامٌ ينظرون، وأشرقت الأرض بنور ربِّها ووُضِع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وهُم لا يُظلَمُون، ووُفِّيت كلُّ نفسٍ ما عملت وهو أعلم بما يفعلون، وسِيق الذين كفَروا إلى جهنَّم زمرًا حتى إذا جاؤُوها فُتِحَت أبوابها وقال لهم خزَنتها ألَم يأتكم رسلٌ منكم يتلُون عليكم آيات ربِّكم وينذِرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنَّم خالدِين فيها فبئس مثوَى المتكَبِّرين، وسِيق الذين اتَّقوا ربَّهم إلى الجنَّة زمرًا حتى إذا جاؤُوها وفُتِحت أبوابها وقال لهم خزَنتها سلامٌ عليكم طِبْتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدَقَنا وعْده وأورَثنا الأرض نتبوَّأ من الجنَّة حيث نشاء فنِعْم أجر العاملين، وترَى الملائكة حافِّين من حول العرش يسبِّحون بحمد ربِّهم وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وقيل الحمد لله ربِّ العالمين {(66-75 الزمر).[/