[size=18][color:9cf1=green]لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في عهد النبوة(1)
04/04/2008
د. علي الصلابي
اسمه ونسبه وكنيته وصفته وأسرته
أولاً: اسمه وكنيته ولقبه:1- اسمه ونسبه: هو على بن أبى طالب (عبد مناف) (1) بن عبد المطلب، ويقال له شيبة الحمد (2) بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان(3), فهو ابن عم رسول الله × ويلتقي معه في جده الأول عبد المطلب بن هاشم، وولده أبو طالب شقيق عبد الله والد النبي ×، وكان اسم علىٍّ عند مولوده أسد، سمته بذلك أمه رضي الله عنها باسم أبيها أسد بن هاشم، ويدل على ذلك ارتجازه يوم خيبر حيث يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة(4)
كليث غابات كريه المنظرة (5)
وكان أبو طالب غائبًا فلما عاد، لم يعجبه هذا الأسم وسماه عليًا (6).
2- كنيته: أبو الحسن، نسبه إلى أبنه الأكبر الحسن وهو من ولد فاطمة بنت رسول الله ×، ويكنى أيضًا بأبى تراب، كنية كناه بها النبي ×، وكان يفرح إذا نودي بها، وسبب ذلك أن الرسول × جاء بيت فاطمة رضي الله عنها فلم يجد عليًا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل (7) عندي، فقال × لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله × وهو مضطجع وقد سقط رداءه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله × يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب(
, ومن رواية البخاري: والله ما سماه إلا النبي (9), ومن كناه: أبو الحسن والحسين وأبو القاسم الهاشمى (10), وأبو السبطين (11).
3- لقبه: أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين (12).
ثانيًا: مولده:
اختلفت الروايات وتعددت في تحديد سنة ولادته، فقد ذكر الحسن البصري أن ولادته قبل البعثة بخمس عشرة أو ست عشرة سنة (13), وذكر ابن إسحاق أن ولادته قبل البعثة بعشر سنين (14), ورجح ابن حجر قوله (15), وذكر الباقر محمد بن على قولين: الأول: كالذي ذكره بن إسحاق، ورجحه ابن حجر، وهو أنه ولد قبل البعثة بعشر سنين (16), وأما الثاني: فيذكر أنه ولذ قبل البعثة بخمس سنين (17), وقد ملت إلى قول ابن حجر وابن إسحاق فيكون مولده على التحقيق قبل البعثة بعشر سنين (18).
وذكر الفاكهي (19), أن عليًا أول من ولد من بنى هاشم في جوف الكعبة، وأما الحاكم فقال: إن الأخبار تواترت أن عليًا ولد في جوف الكعبة (20).
ثالثًا: الأسرة وأثرها في الأعقاب:
لقد دل علم التشريح، وهو دراسة التركيب الجسدي، ولعم النفس، وعلم الأخلاق، وعلم الاجتماع، على تأثير الدم والسلالات في أخلاق الأجيال وصلاحياتها ومواهبها، وطاقاتها، إلى حد معين، في أكثر الأحوال، وذلك عن ثلاث طرق:
(أ) القيم والمثل التي مازال آباء هذه الأسرة وأجدادها يؤمنون بها أشد الإيمان ويحافظون عليها، أو يحاولون أن يحافظوا عليها أشد المحافظة، ويتنبلون لها ويمجدون، ويعتبرون من جار عليها من أبناء الأسرة، أو خالفها وحاد عنها شاردًا غريبًا، ويرون في ذلك غضاضة، وسقوط همة وقلة مروءة، وعقوقًا للآباء وإساءة إليهم لا تغتفر في قوانين هذه الأسرة العرفية المتوارثة.
(ب) حكايات الآباء وعظماء الأسرة في البطولة والفتوة والفروسية، والشهامة، والأنفة والإباء، والجود والسخاء، وحماية المظلومين والضعفاء، تتناقلها الأجيال وتتباهى بها، وذلك في سن مبكرة، ومن أيام الصبا إلى سن الشباب والكهولة، فتؤثر في تكوين عقليتها ومشاعرها، وتعيين المقاييس للعظة والرجولة، والبر بالآباء، وتبرير شهرة الأسرة والسلالة.
(ج) تأثير الدم الموروث في أعضاء الأسرة كابرًا عن كابر، في أسرة حافظت على أنسابها وأصالتها، وذلك ما أيده علم السلالات(21), وهذا ليس على إطلاقه، وقاعدة مطردة، لا تقبل استثناء، ولا شذوذًا كالسنن الإلهية التي قال الله عنها +فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً" [فاطر]، وإلى ذلك أشار النبي × في قوله: «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»(22)، وقوله ×: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (23), وليس في ذلك من تقديس الدم الموروث الدائم، وتركيز الرئاسة الدينية والزعامة الروحية العلمية في أسرة معينة، واحتكارها لقيادة امة، دينيًا وروحيًا وعلميًا بشكل دائم، وهو الذي عانى منه العالم القديم – قبل الإسلام – فسادًا اجتماعيًا وخلقيًا جارفًا، واستبدادًا فظيعًا، واستغلالً ماديًا شنيعًا، تزخر به كتب التاريخ وشهادات المؤرخين للإمبراطوريتين الرومية والساسانية، والمجتمعين الإغريقي والهندي (24), وغيرها من الجاهليات، ولذلك يحسن بنا أن نشير إلى وضع الأسرة والسلالة- اللتين ولد ونشأ فيهما أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه – العرقي والاجتماعي، وما كانتا تمتازان به من خصائص وأعراف، وتقاليد وتراث خلقي ونفسي، وكيف كان العرب ينظرون إليهما ويقرون لهما بالفضل، ونبدأ في ذلك بقريش، ثم ببنى هاشم (25).
1- قبيلة قريش:أقر العرب كلهم بعلو نسب قريش، وسيادتها، وفصاحة لغتها، ونصاعة بيانها، وكرم أخلاقها وشجاعتها وفتوتها، وذهب ذلك مثلاً لا يقبل نقاشًا ولا جدالاً (26),وكانوا حلفاء متآلفين متمسكين بكثير من شريعة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ولم يكونوا كالأعراب الذين لا يوقرهم دين، ولا يزينهم أدب، وكانوا يحبون أولادهم، ويحجون البيت، ويقيمون المناسك، ويكفنون موتاهم، ويغتسلون من الجنابة، ويتبرءون من الهرابذة (27),ويتباعدون عن المناكح من البنت وبنت البنت والأخت وبنت الأخت، غيرة وبعدًا من المجوسية، ونزل القرآن بتأكيد صنيعهم وحسن اختيارهم، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ويطلقون ثلاثًا (28)، ومما زاد شرفهم أنهم كانوا يتزوجون من أي قبيلة شاءوا، ولا شرط عليهم في ذلك، ولا يزوجون أحدًا حتى يشترطوا عليه أن يكون متحمسًا (29) على دينهم، يرون ذلك لا يحل لهم ولا يجوز لشرفهم، حتى يدان إليهم وينقاد(30).
2- بنو هاشم:أما بنو هاشم فكانوا واسطة العقد في قريش، وإذا قرأنا ما حفظه التاريخ وكتب السيرة من أخبارهم وأقوالهم – وهو قليل من كثير جدًا – استدللنا به على ما كان يمتاز به هؤلاء من مشاعر الإنسانية الكريمة، والاعتدال في كل شيء، ورجاحة العقل، وقوة الإيمان بما للبيت من مكانة عند الله، والبعد عن الظلم ومكابرة الحق، وعلو الهمة، والعطف على الضيف والمظلوم، والسخاء، والشجاعة، وما تشتمل عليه كلمة (الفروسية) عند العرب من معان كريمة وخلال حميدة، والسيرة التي تليق بأجداد الرسول الكريم×، تتفق ويتفق مع ما كان يفضله ويدعو إليه من مكارم الأخلاق، غير أنهم عاشوا في زمن الفترة، وسايروا أبناء قومهم في عقائد الجاهلية، وعباداتها (31) ولم يصل بنو هاشم إلى هذه المكانة في مجتمعهم إلا بالتضحية والعطاء والبذل وخدمة الناس.
3- عبد المطلب بن هاشم:جد الرسول × وعلىّ بن أبى طالب رضي الله عنه: ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة (32), بعد عمه المطلب، فأقامهما للناس، وأقام لقومه ما كان آباؤه يقيمون قبله لقومهم من أمرهم، وشرف في قومه شرفًا لم يبلغه أحد من آبائه، وأحبه قومه وعظم خطره فيهم (33).
ولم يكن عبد المطلب أغنى رجل في قريش، ولم يكن سيد مكة الوحيد المطاع، كما كان قُصى، إذا كان في مكة رجال كانوا أكثر منه مالا وسلطانًا، إنما كان وجيه قومه، لأنه كان يتولى السقاية والرفادة، وبئر زمزم، فهي وجاهة ذات صلة بالبيت (34), ويتجلى إيمان عبد المطلب بأن لهذا البيت مكانة عند الله، وأنه حاميه ومانعه، وتتجلى نفسية سيد قريش السامية، وشخصيته القوية الشامخة في حديث دار بينه وبين أبرهة ملك الحبشة، وقد غزا مكة وأراد أن يهين البيت ويقضى على مكانته، وقد أصاب لعبد المطلب مائتى بعير، فاستأذن له عليه، وقد أعظمه أبرهة ونزل له عن سريره فأجلسه معه، وسأله عن حاجته، فقال: حاجتي أن يرد علىّ الملك مائتى بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك زهد فيه الملك وتفادته عينه، وقال: أتكلمني في مائتى بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه، لا تكلمني فيه؟! قال عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال: ما كان يمتنع مني، قال: أنت وذاك (35), وقد كان ما قاله عبد المطلب، فحمى رب البيت بيته، وجعل كيد أبرهة وجيشه في تضليل، قال تعالى: +وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ" [الفيل:3-5].
وكان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيئات الأمور (36)،ومات عبد المطلب بعد أن جاوز الثمانين، وعمر الرسول ثماني سنين، ومعنى ذلك أنه توفى حوالي سنة 578للميلاد (37), وذكر أنه لم تقم بمكة سوق أيامًا كثيرة لوفاة عبد المطلب (38).
4- أبو طالب والد على بن أبى طالب رضي الله عنه: أبو طالب لا مال له، كان يحب ابن أخيه حبًا شديدًا، فإذا خرج خرج معه، فقد كان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله × بعد جده، فكان إليه ومعه (39), وعندما أعلن رسول الله × الدعوة إلى الله وصدع بها وقف أبو طالب بجانب رسول الله × وصمم على مناصرته وعدم خذلانه، فاشتد ذلك على قريش غمًا وحسدًا ومكرًا، وإن المرء ليسمع عجبًا ويقف مذهولاً أمام مروءة أبى طالب مع رسول الله ×، فقد ربط أبو طالب مصيره بمصير ابن اخيه محمد ×، بل واستفاد من كونه زعيم بني هاشم أن ضم بنى هاشم، وبنى المطلب إليه في حلف واحد على الحياة والموت، دفاعًا لرسول الله ×، مسلمهم ومشركهم على السواء (40), وأجار ابن أخيه محمدًا × إجارة مفتوحة لا تقبل التردد والإحجام، ولما رأى أبو طالب من قومه ما سره من جهدهم معه، وحدبهم عليه، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، وفضل رسول الله فيهم، ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحبوا معه على أمره
[/color][/size]